responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 29
[مَسْأَلَةٌ]
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْإِمْلَاءِ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ أَسَرَّ فَلَا يَضُرُّ، وَقَالَ فِي «الْأُمِّ» بِالتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ أَسَرَّ ابْنُ عُمَرَ وَجَهَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الرَّكْعَةِ الْأُولَى هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِذَا قَالَ الْمُسْتَعِيذُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ كَفَى ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ الله هو السميع العليم، قال الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ: أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمُطَابَقَةِ أَمْرِ الْآيَةِ وَلِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ] ثُمَّ الِاسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا هِيَ لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَلْ لِلصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَوَّذُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْرَأُ وَيَتَعَوَّذُ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْجُمْهُورُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لِلْفَمِ مِمَّا كَانَ يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لِتِلَاوَةِ كَلَامِ اللَّهِ وَهِيَ اسْتِعَانَةٌ بِاللَّهِ وَاعْتِرَافٌ لَهُ بِالْقُدْرَةِ وَلِلْعَبْدِ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ عَنْ مُقَاوَمَةِ هَذَا الْعَدُوِّ الْمُبِينِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ وَدَفْعِهِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُ وَلَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا يُدَارَى بِالْإِحْسَانِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذلك آيات من الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الْمَثَانِي وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 65] وَقَدْ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِمُقَاتَلَةِ العدو البشري فمن قتله العدو الظاهر الْبَشَرِيُّ كَانَ شَهِيدًا، وَمِنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ الْبَاطِنِيُّ كان طريدا، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجورا، ومن قهره العدو الباطني كَانَ مَفْتُونًا أَوْ مَوْزُورًا، وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ يَرَى الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ اسْتَعَاذَ مِنْهُ بِالَّذِي يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ.

[فَصْلٌ]
والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى وَالِالْتِصَاقُ بِجَنَابِهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَالْعِيَاذَةُ تَكُونُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَاللِّيَاذُ يَكُونُ لِطَلَبِ جلب الخير كما قال المتنبي: [البسيط]
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ ... وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّنْ أُحَاذِرُهُ
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ ... وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جابره
وَمَعْنَى أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَيْ أَسْتَجِيرُ بِجَنَابِ اللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ أَوْ يَصُدَّنِي عَنْ فِعْلِ مَا أُمِرْتُ بِهِ، أَوْ يَحُثَّنِي عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيتُ عَنْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكُفُّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَّا اللَّهُ، وَلِهَذَا أمر تَعَالَى بِمُصَانَعَةِ شَيْطَانِ الْإِنْسِ وَمُدَارَاتِهِ بِإِسْدَاءِ الْجَمِيلِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ طَبْعُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَذَى وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَشْوَةً وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ جَمِيلٌ لِأَنَّهُ شِرِّيرٌ بِالطَّبْعِ وَلَا يَكُفُّهُ عَنْكَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَا أَعْلَمُ لَهُنَّ رَابِعَةً قَوْلُهُ فِي الْأَعْرَافِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ: 199] فَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْأَعْدَاءِ مِنَ الْبَشَرِ ثُمَّ قَالَ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ

نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 29
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست